سناء محيدلي
حملت سناء صرة من الملابس, و خرجت مع أهلها وابيها و أختها الصغرى من بيتهم في مدينة صيد ا في جنوب لبنان هاربين الى بيروت, فلقد دخلت مدينتهم قوات الإحتلال الإسرائيلي.....
لم يكن عمر سناء يمها يتخاوز الخمسة عشر عاما..تركت مدرستها و صاحباتها, و هربت مع اهلها من وجه الغزاة الذين دخلوا مدينتها و اخذوا يهدمون البيوت و المدارس و يقتلون الرجال و النساء ....
انتقلت سناء إلى بيروت, و هي حزينة لترك بيتها .. و لكنها هناك اصبحت أكثر حزنا, عندما فوجئت بأنها ستسكن هي و أهلها في غابة كلها أشجار. لم يكون هناك بيوت بجدران اسمنتية أو حجرية تأويهم..فهؤلاء الالاف من المهاجرين, من الجنوب قد افترشوا الغابات و المنتزهات ليسكنوا فيها.
ووضع أهل سناء الشراشف و ألواح الخشب بين الأشجار كي يحددوا بيتهم بجدرانه القماشية الواهية الضعيفة.
و اكتظت الغابة بالماهجرين يهربون من قنابل و حرائق و رصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي ..و سكنوا بيوتا من القماش و ألواح الخشب....و كانت سناء
تجلس كل يوم تستمع للقادمين الجدد يروون ما يحصل لقراهم و بيوتهم و اهلهم من مآس على يد الجنود الإسرائيليين المحتلين.
كان قلب سناء يمتلأ حزنا و ألما و هي تسمع و ترى ما يحصل لأبناء بلدها...فكانت تذهب كل يوم لرؤية الأخبار من جهاز تلفزيون في إحدى العماراتالقريبة... و ترى البيوت تهدم و النساء يبكين و الرجال و الاطفال يقتلون فتعود الى بيتها و الألم يكاد يعتصر قلبها الصغير ..
و في من الأيام ذهبت سناء لتسمع الأخبار كالمعتاد, و جلست بقربها فتاة عربية لم ترها من قبل و لكن هذه الفتاة كانت ايضا تتحدث بشكل غريب و نفسية غريبة.
كانت كلما ظهر على التلفزيون شريط مأساوي يعرض سيارات الإسعاف تحمل المصابين العرب أو ترى البيوت مهدومة... تقول بحماس: طبعا إن نصر الثمن كبير...و مقابل كل جريح أو قتيل اسرائيلي...و مقابل دموع نسائنا ستذرف النساء الاسرائيليات دموعا غزيرة على ابنائهن.
و تكررت لقائات سناء مع هذه الفتاة و كانت ترتاح إلى لقائها و الحديث إليها ... و كانت تحدثها عن مجموعة من الشباب يطلقون على أنفسهم "جبهة المقاومة اللبنانية" يقومون بعمليات فدائية ضد الصهاينة المحتلين... و كلما كانت سناء تتألم و تستاء لما يحصل لاهل بلدها في جنوب لبنان, كانت هذه الفتاة تزرع في قلبها القوة و العزيمة, لأن هؤلاء الشباب و الفتيات لن يقفوا مكتوفي الأيدي, بل سيضربون جنود الاحتلال حتى يوم النصر.
و مع مرور الأيام كان الامل و الالم يزدادان في نفس سناء. ..و طال الفراق و طال الانتظار. ..إلى متى ستظل تنتظر الاخرين ليدافعوا عن بيتها .. و هي أين دورها ؟ لماذا لا تشترك هي مع هؤلاء الذين يطلقون على انفسهم اسم "جبهة المقاومة اللبنانية"..أليست هي لبنانية ايضا؟ لماذا تنتظر؟
و على انفراد أعلنت سناء لزميلتها عزمها على الانضمام لجبهة المقاومة و التدريب لمحاربة هؤلاء الظالمين...
و بدأ تدريب سناء و استعدت ليوم اعتبرته هي يوم عرسها, يوم شهادتها ...
اقتنعت سناء بطريقة مثالية للدفاع عن بلدها...عملية فدائية تستشهد هي فيها بلا شك مقابل أن يموت فيها خمسون جنديا اسرائيليا على الأقل ذلك لأن هؤلاء الجنود لا يسيرون إلا بالعشرات و داخل دباباتهم و مصفحاتهم و لا يمكن القضاء عليهم , و بالجملة, إلا من خلال معركة فدائية...فكيف ستكون هذه المعركة الفدائية يا ترى؟
تدربت سناء على قيادة سيارة "بيجو" صغيرة كانت تتدرب على قيادتها ثم الانحراف بها فجاة لليمين أو الشمال.
و كان أصدقاؤها في جبهة المفاومة اللبنانية, يسألونها إذا كانت لا تزال تريد القيام بهذه العملية , فتقول و بكل حماس: نعم لأجل أن يعود ابي و أمي و أختي إلى بيتهم... و لأجل أن تتحرر صيدا و الجنوب من اسرائيل... و لأجل أرواح كل الشهداء قبلي و بعدي.
و في اليوم المحدد...يوم عرسها كما اسمته...ركبت سناء محيدلي سيارتها و فيها المواد المتفجرة... الديناميت 200 كلغ من مادة ال ت.ن.ت الشديدة الانفجار....و اتجهت الى المكان المحدد المرسوم... وعن بعد ظهر لها الهدف... فافلة جنود اسرائيليين بدباباتهم و مصفحاتهم تسير باتجاهها و سارت هي بكل هدوء باتجاههم...لم يكن عمرها يتجاوز السادسة عشرة..لم تخبر والدتها ولا أختها و لا والده.ا..و اقتربت قافلة الجنود الاسرائيليين و اقتربت سناء...أمها ستحزن بلا شك و لكنها ستعرف السبب...و الدها سيفقدها,و لكن سيشعر بالفخر...أختها الصغرى ستبكي, و لكنها ستفهم عندما تكبر.
و اقتربت القافلة من سناء .. و مرت الدبابة الأولى قربها و لم تحول نظرها عن الطريق أمامها ...و مرت الدبابة الثانية ...و سناء هادئة تسير إلى الأمام... ثم فجأة... انحرفت الى اليسار بأقصى سرعة ...حولت عجلة القيادة دورة كاملة إلى أقصى اليسار و اصطدمت بالدبابة الثالثة...ودوى الانفجار الصاعق. و انفجرت سيارة سناء بالدبابة الاسرائيلية...و احترقت السيارات الأخرى الأولى و الثانية و الرابعة و الخامسة... و استشهدت سناء...و مات مقابلها خمسون جنديا اسرائيليا على الأقل...تماما كما حلمت سناء¸و تماما كما خططت و خطط معها رفاقها .
و تحررت صيدا....و خرج منها الصهاينة...و عاد إليها والد سناء و اختها... و ظلت ذكرى سناء تملأ الصدور و القلوب.
ابي ردووووووووووووووووود يهز الارض...........